السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، الشريعة والحياة. يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون}[آل عمران:104] ويقول عز من قائل {واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة..}[الأنفال:25] ويقول أيضا عن بني إسرائيل {كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون}[المائدة:79] على قاعدة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قام نظام الحسبة في الإسلام خاصة في مسائل الضبط الاجتماعي والأخلاقي ولذلك كان انتشار المنكرات ثم تواطؤ المجتمع على السكوت عنها من أخطر الأمور، ونظام الحسبة يكون كذلك في الرقابة على مسيرة معاش الناس وهو من أهم النظم الإدارية التي استحدثها المسلمون لحفظ الأمن واستقرار النظام بين الناس في المهن المختلفة حتى لا يحدث غش في البيوع أو الصناعات، فما العلاقة بين الحسبة والرقابة؟ وما مجالات الحسبة؟ وهل يلغي نظام الحسبة مسألة الحريات؟ الرقابة في الإسلام موضوع حلقة اليوم من برنامج الشريعة والحياة
معنى الحسبة وتطبيقها في التاريخ الإسلامي
: بداية ما معنى الحسبة في الإسلام وما علاقتها بالرقابة؟
: بسم الله الرحمن الرحيم. بداية نبدأ من الاصطلاح حينما نقول كلمة حسبة إنما ترد في معاجم اللغة بمعان كثيرة منها احتساب الأجر على الله ومنها الإنكار بمعنى أننا ننكر ما نراه من أشياء لا ترضي وبالتالي هذا المعنى ترجم بعد ذلك إلى معنى اصطلاحي لكن يظل التعريف الأدق هو أن نعرفه بعناصره بأنه الفاعلية الموجودة في المجتمع الإسلامي سواء من الأفراد أو من المجتمع بقصد سيادة المعروف وبقصد الانتهاء عن المنكر بحيث تبدو هذه العناصر واضحة في تعريف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي هو المبدأ الهام الذي تنبثق عنه الحسبة كنظام وتنبثق عنه الحسبة أيضا كنظام ضبط احتماعي ونظام ضبط اقتصادي ونظام ضبط سياسي لأن الحسبة إنما تتحرك على موضوعات كثيرة ومجالات متعددة ولكنها تتعلق بالمنكرات الظاهرة وحدها ولا تتعلق بما استتر أو بما غاب أو ما هو من واجب القضاة أو ما يجب ولاة المظالم.
طبعا سنتحدث ربما ببعض التفصيل عن مجالات الحسبة ولكن ما هي الأسس الشرعية لنظام الحسبة في الكتاب والسنة؟
: أنت الآن في البداية قرأت قول الله تعالى {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون}ونجد أن هذا الأمر ليس متعلقا بالأمة الإسلامية وحدها بل إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يمثل مبدأ إلهيا عاما تحدثت عنه كافة الأديان السماوية، فنحن حينما نسمع قول الله تعالى في نصائح لقمان {يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك لمن عزم الأمور}[لقمان:17] يعني هذا من الأمور المهمة الدقيقة، في بداية هذه الحلقة أيضا قرأت قول الله تعالى من بداية الآية {لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون، كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه..}[المائدة: 78، 79] إذاً الانتهاء عن المنكر هو دليل فلاح ، دليل نجاح، دليل صلاح، دليل امتثال لأوامر الله وتنفيذ لقواعد الشرع الذي جاء من السماء ومن هنا تبدو هذه الآيات تأكيد وتأصيل ومرجعية لنظام الحسبة في الإسلام. هناك أحاديث كثيرة للرسول صلى الله عليه وسلم منها حديث مشهور لأبي سعيد الخدري في قول، الذي يقول فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم "من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان" وهذا الحديث الشامل الكبير يمثل درجات الاحتساب، يمثل المجالات يمثل حتى فرضية الاحتساب باعتباره واجب على الأمة في الإطار الفردي وفي الإطار الجماعي.
يعني من النصوص سواء كانت من الكتاب أو من السنة إلى التطبيقات يعني كيف طبقت، كمرجعية شرعية، كيف طبق نظام الحسبة عبر التاريخ الإسلامي؟
يعني لا ينبغي أن نظن أن نظام الحسبة في تطبيقه قد تأخر كثيرا عن نزول القرآن الكريم ذاته، إننا نجد تطبيقا للحسبة في عصر الرسالة، الرسول صلى الله عليه وسلم حينما مر على صبرة الطعام، الرجل الذي بللت السماء الطعام الذي يبيعه ورسول الله صلى الله عليه وسلم سأله فقال هذا مطر السماء لكنه قال اجعله في المقدمة حتى يعرفه الناس "من غشنا فليس منا"، منذ البداية عملية الاحتساب في مجال الأقوات وفي مجال الغذاء وكأن الرسول صلى الله عليه وسلم يأمر أمته بالانعدام عن الغش وهذا أمر عام لأمة المسلمين، نجد الرسول صلى الله عليه وسلم حتى في هذه الفترة ولىّ عمر بن الخطاب على بعض المسائل المتعلقة بالحسبة، وهناك نهيك الأسدية التي كانت تحتسب في الأسواق ومعها درة وعاشت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاشت في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم، يعني التطبيقات التي تمثل النماذج الأولى للحسبة في الإسلام باعتبارها أمرا شرعيا قبل أن تتحول إلى نظام، لأن النظم ارتبطت بنشأة الدول الإسلامية وارتبطت بالتطور الحضاري ولكن حتى في عصر الخليفة الأول عمر بن الخطاب وجدنا أنه ولىّ عمر بن الخطاب على سوق مكة وولى سعيد بن العاص أو سعيد بن جبير على سوق المدينة يعني نجد أن هذه الولاية قد أخذت مكانها في خريطة الولايات الإسلامية منذ عصر مبكر منذ عصر الصحابة الأول ومنذ عصر الخلفاء أبو بكر وعثمان وعلي.
ذكرتم دكتور أن امرأة تولت الحسبة في عهد سيدنا عمر رضي الله عنه، هل لذلك اعتبارات ما أم يأتي في السياق الطبيعي؟
"
الرقابة ليست ملاحقة للعورات وليست ملاحقة للأخطاء، الرقابة هي إيقاظ الضمير الفردي بأن هناك قيما للإسلام ينبغي أن تتبع
"
محمد كمال إمام: يعني هو يقال إن الشفاء الأنصارية الأسدية تولت أمر السوق أو القرشية على خلاف تولت أمر السوق ولكن فيما يتعلق بأمر النساء وهذا لافت للنظر لأنه معنى ذلك أن هناك شرطة نسائية منذ فترة مبكرة في حياة الإسلام وحياة الدولة الإسلامية وهذه المرأة كانت ترعى شؤون السوق وربما أيضا امتد يعني نشاطها إلى نهي الرجال عن المنكر وأمرهم بالمعروف يعني كون أنها تحركت في مجال النساء لا يمنع أنها أيضا تحركت في مجالات أخرى وخاصة وأن نهيك الأسدية في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم كانت تتحرك بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في كافة المجالات والنساء والرجال سيان وأنا هنا أقول إن كل الصحابيات الذين حملوا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذ منهم العلم وأخذ منهم الحديث أيضا كان هناك لهم توجيهات وتنبيهات وإرشادات تتعلق بالنواة الأولى لكيفية الاحتساب ولكيفية التعامل معه وكيفية اعتباره نظاما للرقابة لكن هنا أريد أن أحدد مضمون الرقابة يعني الرقابة ليست ملاحقة للعورات ليست ملاحقة للأخطاء، الرقابة هنا إيقاظ الضمير الفردي بأن هناك قيم للإسلام ينبغي أن تتبع، بأن هناك إرشادات للدين ينبغي أن تلتزم بأن هناك قواعد شرعية يعني لا بد أن يصنع المجتمع على حين من شريعة الإسلام هذا في الجانب المنكرات الظاهرة التي يتحرك عليها المحتسب وإلا كما قلنا في بداية هذه الحلقة أن جميع الولايات الإسلامية تتحرك من أجل الوصول إلى الغاية الإسلامية الأساسية وهو تحقيق مصالح العباد في المعاش والمعاد.